لم تكن القراءة في البداية محور اهتمامي، ربما كانت شيئًا جانبيًا أو حتى بعيدًا عن روتيني اليومي ، ولكن في لحظة ما، وربما في مرحلة تحدٍّ أو تساؤل داخلي عميق، وقعت يداي على كتاب غير كل شيء، قد يكون كتابًا ألهمني أن أتفكر، أن اسأل الأسئلة الصحيحة ، أو أن أعيد تعريف أهدافي ورؤيتي للحياة
بدأت علاقتي بالقراءة كنافذة صغيرة أطل من خلالها على عوالم لا حدود لها. كنت أجد في الكتب أصدقاء لا يخونون، وحكايات تفتح لي أبواب الخيال والمعرفة، مع كل صفحة أقرؤها، كنت أكتشف شيئًا جديدًا عن العالم وعن نفسي، وكأنني أعيد تشكيل ملامحي الداخلية، الكتب لم تكن مجرد صفحات مطبوعة بالنسبة لي؛ بل كانت حياة أعيشها بكل تفاصيلها، كنت أقرأ لأهرب أحيانًا من واقعي، وأحيانًا أخرى لأبحث عن إجابات لأسئلة لم أكن أملك الجرأة لأسألها، وجدت في القراءة وطنًا بديلًا، مكانًا يحتويني بلا شروط.
الكتب لم تكن مجرد كلمات تُقرأ؛ بل كانت أرواحًا تنبض بالحياة، تسافر معي حيثما ذهبت ، أحيانًا، كنت أجد فيها ضحكات دفينة تخفف من أعباء يومي، وأحيانًا أخرى دموعًا تواسيني في لحظات ضعفي ، كان الكتاب صديقًا لا يُملّ منه، يُصغي إليّ بصمت، ثم يجيبني بطريقة تفوق الكلمات.
التأثير الحقيقي للقراءة كان في قدرتها على تشكيل رؤيتي للعالم،من مجرد قارئ إلى شخص ينقل ما تعلمه للآخرين، أصبحت الكتب مصدر إلهام ليّ ، استقيت منها أدوات وأساليب تساعد الآخرين على تجاوز تحدياتهم وتحقيق أهدافهم،
قصتي مع القراءة لم تكن مجرد هواية، بل كانت رحلة لإعادة اكتشاف نفسي وبناء قدراتي على إلهام ودعم الآخرين ، بدأت من كتاب عادي، وتحولت إلى شخص يفتح أبوابًا لآفاق جديدة في حياة كل من يلتقيه.
الكتابة جاءت كمكمل لهذا العشق، لكنها لم تكن سهلة في البداية، كنت أخشى أن أكتب شيئًا وأكتشف أنه لا يعبر عني بما يكفي، أو أن كلماتي قد تبدو باهتة مقارنة بما شعرت به ، لكن الكتابة كانت تناديني دائمًا، وكأنها صوت داخلي يُصر على أن يجد طريقه للخروج.
بدأت أكتب خلسة، في الزوايا الهادئة، في ساعات الليل المتأخرة، حيث لا صوت سوى صوتي الداخلي كانت الكتابة ملجئي، طريقتي لترتيب الفوضى التي تعصف في رأسي. كنت أكتب مشاعري، أحلامي، وحتى مخاوفي وفي كل مرة أضع نقطة نهاية لجملة ، كنت أشعر وكأنني أتحرر قليلاً.
ثم جاءت لحظة الحلم الكبير: أن أكتب كتابًا يحمل اسمي ، فكرة الكتابة كانت تخيفني بقدر ما تحمسني. كنت أتساءل: هل أستطيع؟ هل يمكن لقصتي أن تجد طريقها إلى قلوب الآخرين؟ لكنني قررت أن أخوض التحدي ، بدأت الكتابة في لحظة عفوية، دون تخطيط مسبق ، كنت أجمع أفكاري المتناثرة، وأربط بينها بخيوط من مشاعري ،كانت الرحلة مليئة بالتحديات: لحظات شك، ليالٍ طويلة، وأحيانًا شعوري بالإرهاق النفسي ، لكن في المقابل، كنت أكتشف نفسي من جديد مع كل صفحة أكتبها
بدأت الرحلة ببطء ، كنت أجمع شتات أفكاري كما يجمع النحات قطع الحجر ليشكل منها تمثالًا ، أحيانًا كانت الكلمات تنساب بسهولة، وأحيانًا كنت أجد نفسي أقاتل كي أستخرج جملة واحدة. كانت هناك أيام شعرت فيها باليأس، وأخرى شعرت فيها بأنني أطير على أجنحة الإلهام.
كانت البداية متعثرة، مجرد خربشات على أطراف دفاتر المدرسة، عبارات قصيرة تخجل من أن تكون جملًا مكتملة، لكن مع الوقت، بدأت أشعر أن الكتابة ليست مجرد كلمات، بل طريقة لفهم نفسي، وسيلة لتحويل المشاعر المكبوتة إلى شيء ملموس ، مع مرور الوقت، أصبحت الكتابة صديقي الجديد، مساحة أتحرر فيها من كل القيود ،كنت أكتب باندفاع، وكأنني أحاول اللحاق بفكرة سريعة تخشى أن تضيع ، كان القلم أشبه بجسر يربطني بروحي
أتذكر لحظة انتهائي من كتابة الكتاب، كانت أشبه بحلم تحقق أمام عيني ، كنت أمسك النسخة الأولى بين يدي وكأنها شهادة على كل شيء مررت به ، شعرت بالفخر، ليس فقط لأنني كتبت كتابًا، ولكن لأنني كسرت حاجز الخوف بداخلي.
اليوم، وأنا أنظر إلى الكتاب، أراه ليس مجرد أوراق مطبوعة، بل انعكاسًا لكل التحديات التي تغلبت عليها ، أرى فيه ليالي الكتابة الطويلة، الصراعات الداخلية، والأحلام التي أصبحت حقيقة.
لم تكن الرحلة مجرد إنجاز كتاب؛ كانت رحلة إلى أعماقي ، كل كلمة كتبتها حملت جزءًا من روحي، وكل صفحة كانت شاهدة على قدرتي على تحويل الحلم إلى حقيقة، و هذا الكتاب لم يكن مجرد أوراق مطبوعة، بل كان انعكاسًا لرحلتي، لآمالي وأحلامي، وحتى لخيباتي التي حولتها إلى دروس ، إنه شاهد على أن الأحلام قابلة للتحقيق مهما بدت بعيدة، إذا امتلكنا الإصرار والشغف.
اليوم، أصبحت الكتابة لي أكثر من هواية؛ إنها طريقتي للحياة، أسلوبي في فهم العالم والتعبير عنه. القراءة والكتابة هما نبض حياتي، هما الرفيقان اللذان لا يغادرانني ، وكانا سبب انني تعلمت أن الأحلام ليست بعيدة كما نظن، وأن الشغف يمكن أن يخلق واقعًا أجمل مما نتخيل.
أصبحت الكتابة جزءًا من هويتي ، أكتب لأعبر، لأغير، ولأترك بصمة ، ولو خافتة، في هذا العالم الكبير ، والقراءة هي الزاد الذي لا أستطيع الاستغناء عنه؛ هي الرحلة الدائمة التي أجد فيها نفسي، وأعيش من خلالها حيوات لا تعد ولا تحصى.
تعلمت من رحلتي أن الأحلام ليست مستحيلة، بل هي أقرب مما نعتقد إذا امتلكنا الشجاعة لنسعى نحوها. الكتابة كانت حلمي، وأصبحت طريقتي للحياة، وأجمل ما في الأمر أنها ليست نهاية الطريق، بل بداية لرحلات جديدة ومغامرات أخرى في عوالم الكلمات.
شوق حسن